الأحد، 7 ديسمبر 2008

ثوب

(إلى أمي في رحمةِ الله)


لونُها الأرجوان يروق لي،
أنا.. المُتعبُ مِنْ خطواتٍ تتآكلُ فَوقَ الطرقات،
وهذا الطينُ تَبْغي، وَشَميمي ثَوبكِ
هذا أنا،
وهذا وَجْهي
وهذا ضِلْعي مكسورٌ كساريةٍِ،
ونَجمي يَسري تَحتَ خطى قَلْبي
ويَقْطَعُ رسومَ المُشاةِ سَريعًا
هذا ما يُسْكِرُني، الحناءُ والتّبنُ..
ويَرُدُّني حيثُ اليَقظةُ،
وترابُ الأرضِ يترنّخُ بِعَرَقِها
ويدُ أمي تُمسّدُني بيضاءُ كَلَوْنِ الرَّغْبة
يدُ أُمي تُعَلِّمُني ما لا أنسى.

أرجوحة

على شجرةِ التوتِ
نَصَبَت أُمي أُرجوحةً
وأُختي (باسمة) تلهو بِها إلى آخر القوسِ
أَما أَنا فلم أشترِ الهواء..

وبعدَ أنْ كَبُرتُ
ما زالتْ أرجوحَتُها في صدري
تَخفقُ..
وضفائرها السنابل.. أتبَعُها،
وتَخفُقُ..
تَخفُقُ.. وتَهفُّ الآن على وجهي!

لُجْف

ما زلتِ تسمعينَ القهوةَ
وتشربينَ فيروزَ كلَّ صباح؟
وأنا أنتظرُ المذياعَ
لكي أدركَ أنكِ في الشغف العالي.

ذَبُلَتْ رائحةُ القهوة
وانطفأَ بلّور الشجَن
وما زلتُ..
أنتَظرُ..
احتساءَ ما تبقّى من الوقتِ
في لُجْفِ دلَّتنِا.

همس السيرة

هذا المساءُ.. المتعبُ كقلبي مِنَ الرّصاصِ
وهذا النهارُ الطويلُ كَخُطْوَتي التي لا تصِلُ..
فيهما تزدحمُ كلُّ خيولِ الغيومِ عندَ الغروبِ،
والنّسيانُ حديقةُ تفاحِ العتمةِ
- سنابلُ نيسانَ تعرفُ وُجْهَتي -
أبحثُ بين أوْراقي المبعثرةِ؛
عَنْ سيرةِ الطفلِ الذي كُنتُهُ،
عَنْ حكاياتٍ بفمِ البلابلِ
وعَنْ نسمةِ صيفٍ حَملتني غدًا
إلى رصيفِ أغنيةٍ تَذبَحُني.

متعبٌ إيقاعي كهذا الغبش العائم اللَّزِجِ
ووحدَكَ تَحْمِلُ المقاديرَ،
وهذا بَحري هائجٌ، وقاربي أضلعُ ابن نوحٍ
ومجذافي من يدي المقطوعةِ..

لكنَّ قَلْبيَ بوصَلةٌ تُشيرُ،
إلى خُطايَ على الموْجِ:
أينَ ستكونُ لي موجةٌ من خُطًى؟

لَوْ كانَ شَعْرُكِ، يا امرَأتي، رصيفَ ميناءٍ ما تُهْتُ..

الليلُ صرخةٌ فاحمةٌ،
والفَرْقدُ مثلُ مليّمٍ صَدِئٍ،
إِرْتَدَّ صَوْتي شظايا وغبرةً
صَوْتي يَتَكسّرُ على ألوان الطَّيفِ
كانَ وحيدًا بلا عائلةٍ،
صوتي يشربه الموجُ
والفراءُ العذْبُ والناي القريب..

عرّاب الريح

الريحُ لُهاثُ البحرِ
والشرقُ وجهتُها
أتساءَلُ: أينَ الشرقُ؟
... أنا الشرقيُّ عرّابُ هَدْأتِها

إلى أين أيّتُها الريحُ تَحملينَ ظمأَ الشقوق؟
هُزِّي الجناحَ قليلاً لِيسّاقَطَ ريشُ القلبِ
ويهمسَ الرعدُ في الضلعِ العاري،
ويَتَحَسَّسَ البرقُ الشَّمْعةَ في الزوابعِ...
ليهدأَ رأسُ الليلِ
وتَتَبدَّد أصفادُ العتمةِ من طيرٍ مبللٍ بالنعاس...
فضِّي قمصانَ اللّيلِ لِتَهدأَ أَجْنِحَتي
على غَيْمَةِ وَقْدَتِها
أنا عرّابُ الريحِ
والشّرقُ وجْهَتُها..
أين الشّرقُ يكونُ؟

- بُحَّةُ صوتٍ ونعاسُ العنّاتِ
سأحملُ الريِحَ التي أُدَوِمُّها لأطيرَ في الريّحِ
أطيرَ حيثُ أطير.

حداء الشمس

على نَعْناعةِ نَبْضِنا
على وقْعِ سَبَلاتِ الشَّعرِ المُتبّلِ بالمَطرِ
تتلو قصائدَ الليلِ
وتَملأُ راحَتَيْكَ بأنفاسِ الفراشاتِ.
والبَيْدَرُ يلْسَعُ شَفَةَ القَلْبِ
بطَعْمِ أصابعِ الجدّاتِ والأثافي،
بطعمِ البَرَدِ حينَ يَصْحو في نَهار المَساءِ.

على وَقْعِ خُطى الرّصاص يبتهج الموت،
وسنسمِّي غدَنا ذكرى،
هلْ نسمِّي أمسَنا غدَنا؟
كيفَ نُسمّي الآتي عُمْرَنا الفائتَ
وشمسُنا عجوزٌ مرتبكة في الأنفاقِ؟

نُسَمّي عيونَ الحنينِ شوكةً
ودمُنا ماءُ بئرٍ بلا قرار.

هل سَنَرْمي خلفَ الحُلكةِ أمتعةَ الأضلاعِ نشيدًا
مكرورًا على ألسنةِ جُباةِ ضريبةِ التبغِ،
وفي الصُّحفِ المأجورةِ؟
أصابعُكَ، يا صديقُ، تَنْبُت في كفّي أحزانًا مزهرةً،
حينَ أعْيُنُنا تتصافح.

هل تسمع يا مرجنا؟

(إلى شجنٍ وقصيدةٍ في مقهى)

هكذا يكونُ المطرُ الحيفاويُّ غزيرًا
حين ينسَرِبُ في دنانِ الشِّعرِ،
لِنَغْمِسَ النوتَةَ في قيعانِها.

هكذا تعودُ الصامتَةُ إلى بَحرِنا،
بأغنيةٍ
وقصيدةٍ
والتفافٍ حولَ موقدٍ تَحطّبَ من عَصَبِ
دغْل امرأة كَرْمِليَّةٍ.

هكذا يتناثر الدفءُ؛
ليعلوَ صوتُ الجروحِ البريئة،
ويُدَقَّ العودُ بأناملَ
تلوبُ مع الحرائقِ،
والجوقة تَغْرَقُ في رِهام النبيذ،
فأنا ما زلتُ حيًّا.. أرقص وأغنّي،
فهل تسمعين يا قُبّة البرتقال
والذهب المذبوح على المساطب؟
تردُّ يافا بنشيدِها
والبحرُ يُراقص حَفْنَةَ عشّاقٍ
يرجع بِهدوءٍ..
ويَهِبط الْقَمَرُ قليلاً،
يَغْمِسُ وَجْهَهُ بِمِزَقِ الزعترِ الْبَرّيِّ..

هذِي رائِحَتُكَ يا وطني،
بِنَكْهَةِ الْبُنِّ الْطازِجِ
والْبُرْتُقالِ الأَسيرِ
برائِحَةِ السَّرِّيسِ
بسخونةِ الشايِ الْمُعَشّقِ بِأوراقِ الْمرْيَمِيّة
بِدُخانِ التّبغِ الكثيفِ
وهو يَشُقُّ عَتَبَةَ النافِذَةِ المَنْسِيّةِ
ويَسْمَعُ الْبَحْرُ دَنْدَنَةً جريئة؛
أَنا هُنا يا بَحر أُغَنّيكَ...
فلا تَحملوا نعشي.. تَمَهّلوا
حتى تُنهي الروحُ رَقصَتَها
ويَعُودَ المقهى
تَعودَ الْقَصيدَةُ أغنيةً..
واللحنُ الصاخبُ الحُرّ
إلى القرميد،
وحيفا مغسولة الشبابيك والأدراج!